المؤتمر الوطني في أواسا : ما هي المسافة الفاصلة بين الطموح وبين والواقع ؟
الحلقة الثانية
بقلم عثمان صالح
2011/12/31
ما هو الجديد القديم ؟
مما يعتبر قديما ومستقرا في عرفنا وتجربتنا السياسية ولا يفاجئ الشارع الارتري إذا حدث هو عدم قدرة المسرح السياسي الارتري عموما- بما في ذلك تنظيم أو حزب الشعبية – على التكيف السريع مع المعطيات والتعاطي معها بروح من الموضوعية أو قل العقلانية أو البراغماتية وبالتالي ثبات صفة الجمود في الرؤى والتفكير والمواقف عند التنظيمات الارترية إلى درجة كبيرة. وهذا ليس كله عيب وسلبيات بل فيه بعض الجوانب الايجابية منها صعوبة لي عنق المعارضة الارترية وتغيير وجهتها ومواقفها مهما كانت ظروفها ومعاناتها قاسية ويتفرع عن هذا صعوبة الاختراق وحرف المسار. وفي ضوء هذه الملاحظة المركزية يمكن التأشير إلى ما يلي كانجاز تحقق في المؤتمر فيما يمكن تسميته قديما جديدا إذا جاز التعبير:
أولاً/ الإفراط في التفاؤل- الرغبة المتجاوزة لأطر وقدرات العمل:
بسبب طول المعاناة التي يقاسيها الشعب الارتري على يد نظام اسياس افورقي فان مستويات التفاؤل بكل طرح يهدف إلى توحيد جهود المقاومة الارترية للدكتاتورية تكون عالية جدا لدرجة تتجاوز فيها الواقع أو تتجاهله جزئيا أو كلياً.وهذا هو عين ما حدث في تقديري أي أن المسافة الفاصلة بين طموح الشارع الارتري ورغبته في الوصول إلى نهاية سريعة لمعاناتهم وبين حقيقة واقع المشروع السياسي المقاوم للدكتاتورية كبيرة جدا. والشارع الارتري منذ مدة وخاصة بعد استفحال معاناته على يد العصابة المتسلطة في اسمرا صار يبني طموحه بدون مراعاة قدرة القوى والتنظيمات السياسية وواقعها على تحقيق تلك الرغبة والطموحات من ناحية – رغم انسجام معظم البرامج السياسية لهذه القوى مع رغبة الجماهير الارترية- إذن هذا الطموح الذي يتجاوز (الواقع) والظروف التي قد تحول دون تمكن القوى السياسية من التجاوب بشكل كامل (لأسباب سياسية /فكرية /تنظيمية /اقتصادية) مع هذه الرغبة هي معضلة حقيقة تتكرر أيضا هذه المرة كما في المرات السابقة وتتمخض مع كل مرة عن إحباط كبير في الشارع فتنتكس الجهود وتنعكس سلبا على العلاقة بين الشارع والقوى السياسية. ومن ناحية أخرى تظهر دائما مع كل نشاط تنظمه القوى السياسية الارترية معضلة التفريق بين الإيمان بالتعددية السياسية والنضال من أجلها من جهة وبين ضرورة توحيد أدوات هذا النضال بالقدر الذي يحقق إزالة النظام الاقصائي وتحقيق الديمقراطية من جهة أخرى . وحل هذه المعضلة مسئولية مشتركة وتقع بالدرجة الأساس على المتنورين من أبناء الشعب الارتري ولاسيما هؤلاء الواقفين خارج الأطر والأجسام التنظيمية في معركة تقتضي عدم الحياد بين النظام والمقاومة بل إن موقف (المتفرج) في هذه المعركة يعد خصما على المقاومة ودعما للنظام بشكل أو آخر في مواجهة الشعب الارتري -مهما كانت – مبررات ودواعي هذا الموقف من قبيل إن المعارضة غير فاعلة وغير موحدة والسؤال المباشر الذي يجب أن يوجه إلى هؤلاء وربما تشكل الإجابة عليه مفتاحا لحل هذا الإشكال الذي يواجه المقاومة منذ فجر التحرير وحتى الآن هو : كيف تتوحد قوى المعارضة وأنتم الداعين إلى الوحدة خارجها ؟وكيف تقوى وأنتم بجهدكم وفكركم خارج صفوفها؟. وعلى هذا فاني أرى إن الإفراط في التفاؤل الذي يصاحب دوما النشاطات الجماعية للقوى السياسية المقاومة للدكتاتورية كان يؤثر بصورة سلبية باستمرار في العلاقة بين القوى السياسية وبين الشارع وحدّ في كثير من الأحيان من حجم العطاء والمساهمة المالية للجماهير الارترية وعليه فان تهذيب هذا الإفراط لكي يتناسب مع قدرات وإمكانات وظروف التنظيمات الارترية واجب مشترك على المتنورين من أبناء الشعب وقيادات التنظيمات الارترية.
ثانياً: التعبئة ضد النظام:
جوهر البرنامج السياسي للتنظيمات التي تقاوم النظام الدكتاتوري لا يزال يعتمد التعبئة ذاتها وهذه التعبئة قديمة جديدة ( البحث عن البديل الديمقراطي/ التمسك بالوحدة الوطنية/ النأي عن كل ما يؤدي إلى التشكيك في الولاء للوطن) وهي برامج بقدر ما تحمل نوعا من الوضوح فيها أيضا قدر من التشويش فمنذ أكثر من عشر سنوات يتصارع في هذا البرنامج مفهوما (القوميات- الأساس الشرعي لتعبير الشعوب- والشعب) و(واجب الدفاع عن وحدة البلاد وحق تقرير المصير للقوميات) وضاعت بين هذه المفاهيم الهوية والانتماء بين العروبة والإسلام والأفريقانية والمسيحية. وجدد المؤتمر هذه المفاهيم المتعارضة وقرر السير بما كان. وهذا قديم جديد وهو إقرار لمنهج التشويش الذي درجت عليه كل محاولات التقريب بين القوى السياسية.
ثالثاً: المساواة الفاسدة:
ربما يتعجب المرء من هذا العنوان الجانبي(المساواة الفاسدة) وهي في الحقيقة أكبر المعضلات التي واجهتنا في السنوات الفائتة . ففي منتصف تسعين القرن الماضي بدأ العمل الجماعي بين التنظيمات التي كانت تقاوم نظام الزمرة المتعصبة بتأسيس التحالف الوطني الارتري بين التنظيمات الثلاثة (جبهة التحرير الارترية- المجلس الوطني/ جبهة التحرير الارترية/ حركة الجهاد الإسلامي الارتري- الخلاص فيما بعد والحزب الإسلامي الآن) وكان القرار مساواة المؤسسين للتحالف في كل شيء. ثم ورث الفكرة ذاتها تجمع القوى الوطنية الارترية الذي أقر مبدأ المساواة هذا حتى بين التنظيمات السياسية وتلك غير السياسية (جماعة المبادرة) بل ذهب الأمر أبعد من ذلك فتساوى الأفراد مع التنظيمات (أعني الأستاذين علي برحتو / أيوب معشو الذين دخلا ذلك الإطار الجماعي تحت عنوان شخصيات مستقلة)وصارت هذه المساواة القاعدة التي تأسست عليها كل أطر عملنا ونشاطاتنا المشتركة فيما بعد ، التحالف الوطني والتحالف الديمقراطي والملتقى والمفوضية والسمنارات التي عقدت قبل المؤتمر والمشاركة في المؤتمر وحتى المجلس الوطني الجديد وتنفيذيته كلها اطر اعتمدت مبدأ المساواة هذا حتى وإن جاءت هذه المساواة مخلة بالحقائق على الأرض . وهي في الحقيقة كانت في كثير من الأحيان على حساب العمل فعطلت في أحايين كثيرة اتخاذ القرارات وأعاقت تنفيذ الكثير من المهام المركزية للمعارضة. وواحدة من صور المنهج القديم الجديد في المؤتمر هي استمرار هذه المساواة بكل ما فيها من مخالفة للواقع وتعطيل للعمل ورغم تغلبنا في فترة من الفترات على مطلب الـ50% بين المسلمين والمسيحيين إلاّ أن نفس هذا المضمون صار ديدننا واستنادا على هذا تمت كل التجاوزات للأسس والنظم والمعايير التي كان ينبغي مراعاتها في التمثيل لكي يعبر المؤتمر عن واقع وحقيقة المقاومين للنظام . ورغم وجود الأخطاء التنظيمية والسياسية في مجمل توزيع نسب ومعايير التمثيل يحضرني مثالان صارخان أوجدتهما هذه القاعدة الفاسدة . فرغم أننا لم نسمع بوجود جالية ارترية في جنوب إفريقيا ولم نسمع بمساهماتها في كل سنوات حرب التحرير ولا نعرف تعدادها لاحظنا أنها تمثلت بثلاثة أفراد في المؤتمر مقابل شخص واحد مثل معسكر (الشجراب) الذي يضم تسعة آلاف لاجئ كانوا ولا يزالون وقود المعركة وهم أكثر المتضررين من الوضع الخاطئ في ارتريا، ثم الإساءة إلى الجالية الارترية المناضلة في استراليا باستقدام امرأة فشلت على مرتين في الحصول على موافقة الجالية لتمثيلها في المؤتمر.
رابعاً : القبول باستمرارية قيادة القوى السياسية للصراع مع النظام.
تم من خلال أعمال المؤتمر (عمليا)التأكيد على عدد من المسائل التي طبعت مشوارنا السياسي منذ ظهور الصراع السياسي على الأرض الارترية بين الارتريين والقوى الاستعمارية من ناحية وبين الارتريين أنفسهم من ناحية أخرى. كنا قد لاحظنا خلال الفترة بين انفضاض أعمال الملتقى وانعقاد المؤتمر اتجاها للتقليل من شأن التنظيمات السياسية وجرت عدة محاولات لإضعاف دورها وتحجيم تأثيرها على المسيرة وتجاوزها من خلال بناء أطر جديدة ذات صفات وملامح مختلفة وبالتالي ذات أهداف وبرامج مختلفة– خاصة التنظيمات القديمة العاملة في الساحة قبل التحرير- ولكن يبدو إن هذا الاتجاه لم يجد قبولا لدى المؤتمرين وحبط هذا المسعى بمجرد الاطلاع على خارطة المؤتمر. رغم ما ظهر من بعض السلبيات الناتجة عن مركزة الصراع على الأنساق القديمة والمألوفة في أوساطنا السياسية من تعدد التكتلات و احتدام المنافسة الذي جر إلى وجود أكثر من معسكر (تحالف / تضامن/قوميات/ منظمات مجتمع مدني/ خارج تحالف وداخل مفوضية/خارج تحالف ومفوضية/ منخفضات/مرتفعات/ مسلمين مسيحيين) وغالبية هذه المعسكرات مألوفة عندنا وتعايشت مع سياساتنا لفترة طويلة ما عدا القوميات ومنظمات المجتمع المدني. وعليه فان المحافظة على استمرار ملامح العمل القائم على القبول بتوجيه القوى السياسية واحترامها والدعوة لتصدرها للمولود الجديد هو أحد صور القديم الجديد الذي اقره المؤتمر وهو أحد أهم مؤشرات النضوج الذي تمتع به المؤتمرون.