السلطة اقوى من الشعب أم هي قوية به؟.

 

 

بقلم الأستاذ / عثمان صالح 

منهجان رؤيتان ممارستان – قل بما شئت فيها – قوام الاولى دولة بلا دستور ولا قانون ولا مؤسسات تُسائل ، اسلوبها البطش والاغتيال والاعتقال وكل اشكال الارهاب وخلق مواطن مسلوب  الحرية .

 في هذه النماذج السلطات لا تخضع ولا تعرض مشاريعها السياسية وتوجهاتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وتحركاتها العسكرية على مواطنيها لتعرف مدى قبول او رفض الشعب لمنهجها ، ولا تهيئه في الاصل لمثل هذا لانها لا تحتاج الى شعب يقرر او يغير  بل وحتى لا تريد شعبا يقيم ولذلك فهي لا تحمل كثير هم لنجاح او فشل مشروعاتها . هذا النوع من التسلط يرى في الاحتكام الى رأي الشعب ضعفا ومنقصة ، ذلك لانه تسلط لم يأت باختيار الشعب على اي نحو . هذا النوع من التسلط يظل يعيش على ظهر الفرص والاحداث التي تعترض مسيرة الشعوب وان لم تأتِ بها الاقدار التي هي خارج الارادة فهي – اي السلطة – تصنعها صناعة لانها هي السبيل الوحيد الذي يؤمن شروط الاستمرارية ، يصنعها السلطان وان كانت اضرارها كبيرة وتكلفتها باهظة . ويظل يتمسك بتلابيب كل ازمة تضيق -ان لم تعدم -(اللوازم الحياتية للفرد) بحيث يتعطل كليا عنده التفكير في الشان العام ويستكين للتعبئة باتجاه واحد من آلة التسلط التي تغلقه في دوامة (وجود الخطر ثم تجدد الخطر ثم تفاقم الخطر ثم وقوع الخطر) فيعتاد على حياة الطوارئ التي تصرفه كليا حتى عن مجرد تمنّي حياة طبيعية . عندما تصل السلطة بالناس الى هذه المرحلة يصبح (الفرد) ضعيفا أمامها لدرجة ان ايمانياته قد تهتز ولنأخذ مثالا لذلك الشريط الذي عرضه تلفزيون النظام قبل فترة لاحدى زيارات اسياس في غرب ارتريا ويظهر فيه شباب مسلمون يتحلقون حول سيارة اسياس ويهتفون (ينصر دينك) . واغلب الظن ان هؤلاء الشباب قد لا يكونون مدركين لابعاد ما كانوا يقولون ولكن المصيبة هنا تكمن في غباء مسئولي اعلام النظام الذي عرض الشريط ، فلو فكروا بقليل من الوعي وابسط درجات المسئولية تجاه نظامهم لما اظهروا هذه اللقطة في الفيديو ولكن يبدو ان ما كان يهمهم هو تسويق ذلك الهتاف لا خبر الزيارة . لكن ضعف المواطن امام النظام وانعدام المساءلة على مثل هذه الاخطاء شجعهم على تسويق خبر يضر بالنظام اكثر مما يفيده عبر هذا المقطع  الخطير . فمثل هذه الهتافات هي تحريض طائفي صريح يتبناه النظام عبر جهازه الاعلامي وعواقبه وخيمة جدا على النظام قبل غيره اما الشعب الارتري فقد تجاوز العديد من هذه المطبات التي رعتها هيئات دينية(كنائس وقساوسة) وانظمة محلية واقليمية ودولية وافشلها بوعيه  .

 اقول ان حال الفرد في مثل هذه الانظمة التي نتحدث عنها اشبه بحال (الساكن بالايجار) دائما هو في انتظار شروط (المؤجر) بزيادة الاجرة او الاخلاء . فالانسان تحت هيمنة هذه  الانظمة ضعيف امام السلطة لدرجة انه يطلب إذن اجهزة السلطة ليؤدي شعائره التعبدية التي تؤدّى بأيسر الاحوال وبدون أي تكلفة ولاتحتاج الى تنقّل ولا الى غياب عن عمل فلا يصلي ولا يصوم إلا بموافقة وبرضى مؤسسات ووكلاء النظام ومعسكر ساوا ووحدات الجيش هي اوضح دليل على ذلك . ان حالة الانهيار هذه  تصل بالفرد في حالات عديدة  الى حافة العبودية فقد مررت في الفيس على تعليق لاحد الاخوة( لا اذكره على وجه الدقة ولكن ربما يمر كاتبه على كلامي هذا فيذكرنا به ) يؤكد على انطباع من هذا القبيل إذ ينقل فيها كشاهد عيان صورة  التعامل في معسكر (ساوا) بما يشبه العبوية  فيقول {في مقر المسئول طالبتان احداهما تعمل الجبنة والاخرى تقلم اظافر رِجل المسئول انظر كيف يتعامل وكلاء السلطة مع طلاب على ابواب الجامعة.

اين مكمن الضعف لدى الفرد؟.

١/ ان (الفرد) في هذه الانظمة يصبح ضعيفا امام السلطة لانه ينظر الى نفسه بمعزل عن المواطنين الآخرين..

  ٢/ صورة شائعة من صور الضعف اذ يتطوع الفرد بمساعدة النظام على التغلغل داخله فيحتله من الداخل وكثيرا ما تسمع ان النظام عنده (عيون وآذان) في كل مكان(حتى جدران بيتك تتجسس عليك). وتحت هذا الرعب من النظام  يكبح امانيه ورغباته فتظل حبيسة في النفوس خوف ان تسمعها آذان النظام أو تراها اعينه فتموت كل امنياته في جوفه . الحقيقة ان هذه الحالة ليست مظهرا من مظاهر قوة النظام وانما هي صورة لضعف (الفرد)أمام السلطة .   

٣/ هذا الانهيار ينتقل حتى الى خصوصيات الفرد واخلاقياته فيتقبل (الفرد)اوامر  التجسس على امه وابيه واخيه واهله واقاربه بدون حرج . 

٤/ بل ان (الفرد) يذهب ابعد من ذلك فيحاول تغطية حالة الضعف والاستلاب هذه باللجوء الى استعارة سلوكيات مجتمعات وحواضن اهل السلطة ويقلد طبائعهم فياكل كما يأكلون ويلبس كما يلبسون ويتحدث بلغتهم ويوهم نفسه ان هذا يضفي عليه نوعا من القوة او الحصانة وتحت تأثير هذا الوهم يحاول ان يبتعد من محيطه (الضعيف امام السلطة) وتضعف صلاته بمحيطه الاصلي وتصبح اهتماماته ايضا بعيدة عنهم . 

إذن ماهي عناصر قوة النظام في ما اسلفنا؟ :

١/ / دور النظام في الصور التي تقدمت اقل من دور الفرد الذي يساعد النظام على نفسه . لكن النظام يعمق ويدعم صور الضعف هذه في نفس الفرد بممارسات واجراءات غاية في القسوة والاهانة للفرد فيعتقل بلا تهمة ويقتل بلا ذنب. ويشيع ذلك وسط الناس بواسطة ادواته المدجنة فتنتقل هذه الممارسات وسط الناس كالنار في الهشيم فترتسم صورة قاسية وغير انسانية للسلطة في عقل كل فرد- لاحظ هي صورة يسهّل النظام تعميمها على (الافراد) لا على (الجماعات). وإلا لسوقها عبر وسائل اعلامه واجهزته الرسمية.

٢/  تعمل السلطة على محاربة أي مستوى من مستويات تجمع الناس فتحاسب عليها ولو كانت اللقاءات صدفة او على مسائل هامشية (جلسة شاي مثلا )من باب ان احاديث (الجماعة) عادة  تكون في شئون عامة وهو الممنوع لانه سيكون عامل صحوة لو تحقق على أي نحو .. 

٣/ تجتهد السلطات على ادامة هذه الصورة مسيطرة على كل (فرد)  ويبقى الاجتهاد في ابقاء الشعب على دوامة الخوف والرعب وحياة الطوارئ وتكبيل الوطن والمواطن في مسلسل رعب وازمات لا ينتهي الى ان يأتي جيل واع يتصدى لهذا التضليل وتنتهي على يديه حقبة مظلمة في مسيرة الشعب وتنتهي بصورة مأساوية لهذه الفئة كما هو حال كثير من صور التسلط في التاريخ  . 

الغريب في الامر  ان تفكير هذه الانظمة شبيه بتفكير الافراد فهي ايضا تبني حساباتها بخصوص قوتها على معيار خاطئ فتعمم حالة (الضعف)لدى (الفرد) على (مجموع)الشعب وهذا معيار خاطئ لو ركنت اليه فان فيه مقتلها فالمعقول هو انتقال احساس العامة الى الفرد وليس العكس… 

نخلص الى القول ان السلطات في هذه النماذج هي اضعف من  الشعب بلا جدال واوضح دليل على ضعفها انها لا تجرؤ على الاقدام على الاحتكام الى رأي الناس الذين تتحكم فيهم وتراهم ضعفاء امامها ،  لانها على تمام ثقة لا يخالطها ظن انها ستفشل في معترك استمزاج الشعب فأهون عليها ان توصف بانها سلطة غير شرعية وغير مرضي عنها من ان تحصد خيبة بالفشل المحقق في الرهان على الشعب والاحتكام الى خياراته . فهي اذن بالنتيجة ضعيفة امام الشعب أي (المجموع)  على رغم ما يظهر من ضعف (الفرد) امامها. إذاً متى تنتهي هذه المسرحية السيئة ؟. في تقديري عندما تنتقل هواجس ومعاناة الفرد امام النظام الى شأن عام ويصبح الهم عاما وتصبح المواجهة عامة ، وهنا سيزول الوهم المسيطر وسنكون امام الحقيقة (ان السلطة اضعف من الشعب). 

واما قوام الثانية فهو الايمان ابتداء ان الشعب اقوى من السلطة بل هي قوية به وان اساس قوتها وليد الاحتكام الى رأي المواطن في التكليف بالشأن العام والقبول باختيار الاغلبية (فارضاء الكل غاية لا تدرك) في المسائل المركزية التي تحتاج الى ان نتجاوز فيها مرحلة ال(بين بين). ولان افورقي قارئ جيد من ناحية وكنتيجة لجرد ممارساته تيقن انه سيكون أول من يخسر الرهان على الشعب ولذلك سلك الطريق الاول وفي تقديري هو طريق نهايته مأساوية فان كثيرين ممن تأثر بهم أو نقل عن مساراتهم السياسية كانت نهايتهم مأساوية على يد شعوبهم وانا هنا لا اعني اسياس كشخص ولكن اتحدث عن نهجه وممارساته السياسية.

احدث المنشورات