بقلم / عثمان صالح
٢٠٢٣/٠٣٠١٩م
يبذل بعض الناشطين جهودا متواصلة ويلحون كثيرا في الطلب من رأس العصابة في اسمرا ان (يتكرم) على سلطته بقدر (أي قدر) من عملية تجميل وجهها لعل ذلك يفتح امامها فرصة لتجديد ما قد يكون وهن من قبضتها . الدعوة في ذاتها وبهذا الاتجاه أي تقديم( بعض )مطالب الارتريين ليست مستنكرة وانما تندرج في اطار الواجب على الجميع بالتعبير عن رغبات الارتريين وحقوقهم أمام هذه السلطة الجائرة ، لكنها بحكم الرصيد السيء وبحكم تراكمات عديدة واضرار كبيرة لحقت بالارتريين على يد هذه الفئة المتسلطة قد تكون محلا للاختلاف يضيق ويتسع بحسب افق المناقشة معهم وانا من الذين يرون عدم واقعية هكذا دعوة لعدة عوامل ادرج بعضا منها :
الخطأ في التأسيس للالتماس :
اولا/ من الناحية الحقوقية:
*/ من حيث النتيجة والمآل فان هذه (الدعوة) تستند على ارضية مناقضة للواقع وتفضي بنتيجتها الى ارضية مخالفة ايضا لمفهوم الحقوق والرضى المجتمعي فبينما الحقيقة التي لا خلاف عليها ان السلطة في اسمرا فاقدة (للشرعية والمشروعية) وهي سلطة امر واقع . والدعوة هنا تقف على نقيض هذه الحقيقة فتشرعن للنظام وجوده على هذه الشاكلة وهذه المسألة يعتقدها البعض سهلة لكنها غاية في الخطورة وللتوضيح اقول لو ان شخصا ما حاز على حق شخص آخر غصبا فهناك فرق بين ان يعجز هذا الاخير عن استرداد حقه وبين ان (يرضى) ببقاء حقه المغتصب لدى الغاصب ، فان كان مجبرا على ذلك فان رضاه يعتبر كأن لم يكن وان كان مختارا يكون قد اكسب حيازة الغاصب شرعية . لذلك فان احدى مضامين الدعوة هي تبرير نهج النظام في تغييب الحياة الطبيعية في البلاد وواضح ان مطالبة النظام باصلاح (على قدر مروءته)هي دعوة غير قائمة على المساءلة عن الجرائم وتقتضي بالضرورة تجاهل الاضرار والمظالم وبالتالي التفريط في حقوق ملايين الارتريين (ارواحهم ودمائهم واموالهم وكرامتهم )بحيث اضحى الحال بؤسا فاق كل تصور وكل مثيل بما في ذلك (100) سنة من الاستعمار المتعاقب وهي حقوق عامة وخاصة لا يحق لاحد ان يتنازل عنها .
*/ وهنا لابد من سؤال جوهري جدا : من هو المتهم بارتكاب هذه الجرائم والفظائع والمظالم بحق الارتريين؟ . بالطبع هو من بيده امكانية حرمان الارتريين من حقوقهم في (الحياة والحرية والأمن والكرامة ) نعم هو رأس السلطة اسياس افورقي وان لم يُرى يذبح بيده او يمسك بمفاتيح المعتقلات الا انه من خلال ادارته للأداة التي تذبح وتعتقل وتظلم الارتريين بلا مساءلة يكون مسئولا عن كل جريمة ارتكبها هؤلاء سواء بامر او بدونه فيظل هو مسئولا عن كل روح ازهقت ودم اهدر ومال دمر وعن كل اعتقال وتعذيب وعن كل لجوء استمر او استجد. فمن له ياترى صلاحية الاعفاء عن هذه الجرائم البشعة؟..
ثانيا/ من الناحية السياسية:
*/ ان الارضية التي تتأسس عليها هذه الدعوة هي (فشل) المقاومة في تحقيق هدفها باسقاط النظام او اجباره على الجلوس الى حوار يضمن مطالبها . الحقيقة البعض يرى في هذا التأسيس صورة من صور الاستسلام وهي اقسى نتيجة يمكن ان يتوقعها الخصوم في ميادين الحروب لكن في ميادين السياسة يبدو الامر ليس على هذ النحو ، فالسياسيون في ميدان المنافسة او الصراع يقبلون بنتيجة (الغالب والمغلوب) ولكنهم لا يستسلمون .
*/ ان القول ان (المهدد الخارجي) – هكذا- كان سببا في اعتماد الحياة غير الطبيعية في البلاد هو قول لا يسنده واقع بل وبحاجة الى مراجعة موضوعية في احسن الافتراضات . لماذا ؟ لناخذ حقائق في هذا من تجربتنا :
١/ / فصائل الثورة وهي في خضم معارك التحرير المتواصلة بما فيهم الجبهة الشعبية -الى حدما -كانت حريصة غاية الحرص على احترام (الشرعية) ذات الطابع الجماهيري والتنظيمي ولذلك عملت على اضفاء (المؤسسية)على كل نشاطاتها السياسية وفي مجمل حركتها في مواجهة الاحتلال فكانت المؤتمرات والسمنارات حلقات مهمة في ارساء حياة تنظيمية مقبولة.
٢ / رئيس النظام قال بصريح العبارة في إحدى ردوده على سؤال عن رفضه الاخد بالديمقراطية ( ان سبب ذلك هو عدم أهلية الشعب الارتري للحياة الديمقراطية ) ولم يقل بسبب العدوان وكان صادقا في ذلك لانه انتهج الدكتاتورية قبل (مسلسل العدوان) ، بل ذهب الى اكثر من ذلك وقال ان من يتوقع حياة ديمقاراطية في ارتريا فهو يعيش في كوكب آخر ..
٣/ / ثمان سنوات بعد التحرير كانت هادئة تماما لم تكن فيها مواجهات ولا حروب كانت كافية لإرساء الخطوات الاولى نحو حياة طبيعية والبدء بتنظيم انتخابات في البلاد . بل بالعكس تماما حتى على أضيق نطاق جمعهم توطدت الدكتاتورية وسارت على قدم وساق فقد سلخ اسياس التنظيم الذي ركب على ظهره عن أسسه وارثه وسحب منه الروح الثورية وظل يسخرهم به ك(جن سليمان) ولم يتبين قادته وكوادره ذلك إلا بعد ان خرّ على رؤوسهم بعد ان أكلت دابة الارض منسأته..
٤/ اول ما ينبغي الحرص عليه في حالات مواجهة (العدوان الخارجي) هو ترتيب البيت الداخلي ورص صفوف الشعب وتقوية تماسكه فالعقل يقتضي ان تخوض الدول معاركها الاستراتيجية بمجتمع موحد ولكن على العكس من هذا رأينا كيف ان النظام ماترك مسلكا يفرق الارتريين ويزرع بينهم الاحقاد الا وسلكه . وأي نظام لايعبر عن هذا المقتضى (وحدة وتماسك المجتمع)فمن البداهة القول انه يخوض معارك على حسابات خاصة (حماية نظام) لاحماية وطن وانظمة من هذا النوع لا يستبعد ان تقدم الوطن فداء للسلطان.
٥/ / جميع الحالات التي ينظر اليها (مريدو) نظام اسمرا على انها (عدوان خارجي) شغله -تعبير مخفف للجريمة- عن احتياجات الوطن والمواطن الداخلية (اثيوبيا مجتمعة ثم التقراي والوياني على انفراد / اليمن/ السودان/ جيبوتي/وحتى الصومال عن بعد)هي معارك ذهب اليها النظام مختارا فيما يبدو انه مشروع لصرف انظار الارتريين واعاشتهم في دائرة الاستنفار باستمرار . بينما هذه الدول ذاتها التي اتخذ النظام واتباعه العداء معها مشجبا للهروب من الديمقراطية والتنمية كانت كلها تقبل بالتعددية السياسية وتقيم انتخابات بانتظام ويعيش مواطنوها حياة طبيعية. قمة الغرابة ان يصرفنا عن حاجاتنا الضرورية ما لايصرف الآخرين عن حاجاتهم الضرورية وان تمنعنا ذات الاوضاع التي لا تمنع الآخرين من تطبيع الحياة في بلادنا.
ثالثا/ الموانع الشخصية لرأس النظام:
*/ رأس النظام شخصيا له نهج عدائي وخصومة بائنة مع اية حالة يمكن وصفها بـ(رأي آخر أو أسس تنظيمية ضابطة ناهيك عما يسمى تعددية سياسية) بغض النظر عن مدى قربها او بعدها منه أو اهميتها للعمل ، فعلى مدى نصف قرن قد حفل سجله بعشرات الصور من جرائم بشعة بحق الارتريين – تنظيمات وافراد- جرائم تمتد بين حروب اهلية وقتل مباشر وسجون مميتة بلا مبرر الا هذا العداء المستفحل.
*/ اسياس افورقي لا يرى الوطن الا في نفسه ولا يرى الوطنية الا في تصرفه ومواقفه وقناعته حتى الثورة التي كانت سببا في انتزاعه من حضن الاحتلال وشكلت له الارضية التي يجلس عليها الآن من (السيادة والسعادة والفخامة) لا يراها كذلك . فرغم محاضراته ودروسه الطوال في كل شأن وظاهرة (هامها وتافهها) لم يسمع انه تحدث عن بدايات المشروع الوطني الارتري وعن الصعوبات وعن الظروف التي صاحبت تأسيس (ج ت إ) ولا عن انطلاق (الكفاح المسلح) ، والتفسير على ما يبدو لانه لم يجد نفسه في كل ذلك . ماهذه الانانية المفرطة؟.
*/ السيد اسياس افورقي (شبّ) على نهج انفرادي وسار عليه حتى (شاب) عليه وتبقت مرحلة اخيرة هي (من شاب على شيء مات عليه) واظنه لن يخلفها ولن يأتي بشيء يخالف طبعه هذا .
ان اسياس افورقي قد افنى عمره وهو اليوم مدبر عن الحياة اكثر منه مقبلا عليها ورصيده في القتل والغدر جبال من الإثام ما لن ينسى . ان تهمله تنظيمات واحزاب وجمعيات فلن تنساه الاسر والعوائل فعشرات الآلاف من الذين فقدوا آباءهم بغير حق الا حماية السلطان لعرشه لن يحكم عليهم العامة بالنسيان ، وآلاف النساء اللاتي قضين عقودا من اعمارهن لايعرفن أهن مازلن زوجات أم رُحّلن الى قوائم الارامل ، ان كل هؤلاء لن يجرؤ احد على مطالبتهم بالعفو عن هذا النظام الذي سحب الحياة عنهم بلا سبب ونقول (بلا سبب) لان لا احد يرتكب جريمة حرمان من الحرية وتعذيب مفضي الى ازهاق الارواح وغير ذلك من جرائم ترقى الى مستواها (بسبب) ثم يخفيه لعل الجريمة تكون (كاملة). لقد تمدد الظلم واصاب كل مفصل في جسم الشعب الارتري فان لم يقتص المجمتع للمظلومين ويرد لههم حقوقهم فسيفعلوها بانفسهم فان ظلما من هذا القبيل لايبليه الزمان إنه سيكبر مع الصغير ويطل مع كل قادم . واذا انتقم كل لنفسه من المجرم نكون قد فقدنا كل مرتكزات التعايش لذلك لا يجرُأَنّ احد على التلاعب بحقوق المظلومين ولا يسعَيَنّ احد الى التصالح على حسابهم.