كسبت الشعوب الإثيوبية التي أنهكتها الحروب على مر التأريخ مدخل إلى السلام المستدام على خلفية الاتفاق الأخير في جنوب إفريقيا إذا استمرت الأطراف الموقعة عليه و شركاء الاتفاقية في دعمها و تذليل كل العقبات التي يمكن أن تواجه تنفيذها ، و يظل التوقيع مؤشر إيجابي لأن الكثير من التكهنات التي اجتاحت وسائل الإعلام و الكثير من التحليلات التي ذهبت إلى أنه من الصعوبة بمكان وصول الأطراف الإثيوبية إلى توقيع مذكرة تفاهم ناهيك عن اتفاق سلام معتمدين لجملة من العوامل منها ما هو ذاتي متعلق بطبيعة الصراع الأثيوبي الأثيوبي و منها ما هو متعلق بالحلفاء من دول الجوار إلا أن التوقيع دحض كل هذه التكهنات ، لعل الذين راهنوا على أن التقراي لن يوافقوا على بعض الشروط التي تشبه الإذعان قد فات عليهم معرفة الكثير من أدوات تفكير الوياني تجراي، فقد أدرك التقراي عقب تنازلهم عن السلطة وصعود الدكتور ابي أحمد إلى دفة السلطة أن هناك الكثير من الفواتير التي ينبغي عليهم دفعها جراء سنوات حكمهم الذي قارب الثلاثون عاماً و بالتالي انسحبوا إلى الإقليم ليديروا المعارك المرتقبة من داخل الإقليم سواء على المستوى السياسي و العسكري و هم أكثر إدراكاً لصعوبة الانتصار و لكنهم أيضاً أكثر معرفة بهشاشة الوضع في عموم اثيوبيا و الذي لا يُمكن طرف دون أخر من السيطرة على القرار السياسي أو تكون له القدرة على إلغاء الأخر.
بطبيعة الحال اديس ابابا خاضت هذه الحرب تحت شعار (إنفاذ القانون) لأن التقراي صنعوا ازمة سياسية ربما اختاروا مسرحها بعناية فائقة وهو المسرح السياسي الذي يقوض سلطة المركز على الإقليم طالما أن الحكم هو حكم لامركزي فدرالي في الوقت الذي ذهب ابي أحمد إلى تشكيل حزب حاكم أحادي غير ائتلافي وإن بدى من تشكيله أنه من اقطاب متعددة وجوهر فكرة إنشاء الحزب كانت تذهب إلى إنهاء الحكم الفدرالي وفرض رؤية جديدة مركزية الحكم من أديس ابابا وإخضاع الأقاليم للمركز.
لذا فأن المفاوضات في جنوب إفريقيا سعى فيها كل طرف إلى تحقيق مكاسب بعيدة عن نتائج الحرب بل الهدف الرئيس كان تحقيق الكسب السياسي للرؤية التي يحملها كل طرف بعيداً عن الحرب و أدواتها لذا يمكن القول أن بند تسليم السلاح هو قمة جبل الجليد فهناك مطالب اعمق من ذلك في مسارات تفاوضية قد تستمر طويلاً، ربما حقق ابي احمد اهم مكسب كون التوقيع لم يتم باسم حكومة الإقليم بل باسم الجبهة الشعبية لتحرير تجراي رغم إصرار الوياني على هذا الامر و لكن المفاوضات لها تكنيكاتها لذا التقراي ايضاً حققوا اهم كسب و هو أن الجلوس و التفاوض معهم تحت عنوان (الجبهة الشعبية لتحرير تجراي) ببساطة ينفي عنهم تصنيفهم كحركة إرهابية مما يعني مشاركتهم في الحياة السياسية على مستوى الإقليم و المركز كجزب سياسي و قد تعهدت اديس ابابا بتعديل التشريع الذي اصدر و تم تصنيف الجبهة بموجبه بأنها حركة إرهابية كما سيتم التفاكر معها في كيفية إدارة الإقليم مع انتزاع التزام من حكومة اديس ابابا بإستمرار الدستور الفيدرالي القائم مما يعني الاعتراف بخارطة الإقليم و عودة الأرضي التي تم ضمها إلى أقاليم الأمهرا بشكل دستوري.
بنود الاتفاقية ليس فيها خاسر بل كل طرف سعى إلى أن يحقق فيها كسب مستحق ولعل الذين يحاولون تصوير الأمر وكأنما هو هزيمة للتجراي على خلفية بند تسليم الأسلحة فأنهم وبكل اسف لا يحسنون قراءة المشهد بل تحكم مواقفهم وقراءاتهم الرغبوية والشعبوية التي تنطلق من منصة عاطفية لا أكثر، فأن ما يسري على التجراي يسري على بقية الأقاليم وجيوشها وهذا ايضاً كسب لكل الأطراف علاوة على ما أشار إليه الاتفاق ضمناً إلى (إنهاء التواطؤ مع أي قوى خارجية (معادية !!) لأي من الطرفين) وبطبيعة الحال المعنية بهذه النقطة هي إرتريا على وجه التحديد دون غيرها لانخراطها في هذه الحرب.
و لعل الإشارة إلي رفض التواطؤ مع أي قوى خارجية معادية كما ورد في نص الإتفاق ، يكون بداية النهاية للتحالف بين أديس ابابا و اسمرا و بالتالي يمكن ألقول أن المفاوضات التي تمخض عنا الإتفاق قد وضعت النظام الإرتري في زاوية الخاسر من هذه الحرب و التي شارك فيها بأهداف اكبر تصل إلى حد إنهاء وجود الجبهة الشعبية لتحرير تقراي و إنهاء أي دور سياسي لها في مستقبل أثيوبيا و هذا الذي لم يتحقق و بالتالي وفق الأهداف و المعايير التي دفعت النظام الإرتري للمشاركة في هذه الحرب و التي تكبد فيها خسائر بشرية يعد النظام الإرتري الخاسر الأكبر .
و هذا اصبح جلياً في تخبط النظام الإرتري و فقدانه البوصلة بينما انكفأ ابي احمد لمعاجة اثار الحرب على اثيوبيا من خلال الإنفتاح على إقليم التقراي من قبل حكومة المرك
ز من خلال الزيارات التي تترى إلى الإقليم على مستوى التنفيذيين و البرلمانيين بالإضافة إلى تبني الإصلاحات السياسية في الإقليم من قبل قيادة التنظيم المسيطر على الحياة السياسية و إشراكه لكل التنظيمات السياسية في المرحلة الإنتقالية مؤشر و دلالة على أن التقراي كإقليم و كقوى سياسية حققو مكاسب كبيرة .
و لعل الحراك الدبلوماسي في منطقة القرن الإفريقي سيجيب على كثير من التساؤلات بشأن و ماذا بعد الحرب و السلام ؟؟