بحُسن الخُلق نعيـــــــد البنـــــــــــــــــــــاء..

 

 

بقلم : مهندس سليمان فايد
14/ 8 /2022م

الإنسان كما عرفه العلماء ، حيوان أخلاقي ، ذلك أنه الكائن الوحيد من بين الكائنات التي خلقها الله لا يستطيع ان يعيش في هذه الحياة ، بدون قيم تحكم سلوكه على المستويين الفردي والاجتماعي ، بل وتحكم سلوكه تجاه كل ما في الكون من حيوانات ونباتات وجماد وغير ذلك ، وهذا يعني أن الإنسان بفطرته يحركه ضمير حي يدفعه إلي السلوك الحسن.
لكن يحتاج هذا الإنسان ما يعينه على أن يلتزم بالسلوك القويم ويتجنب كل الرذائل في تصرفاته وأقواله ، وهذا ما جاء به الدين من خلال منظومة أخلاقية متكاملة ، تربي الإنسان على الفضائل ، وتهذب سلوكه ، وتعلمه كيف يلتزم الأدب والذوق في كل أقواله وسلوكياته.
ومن الظلم البين أن نحاسب الشباب على أخطائه وانحرافه ، قبل أن نعلمه دينه ونربيه على الفضائل ، لقد سارت الفضيلة والأخلاق في الماضي يداً بيد مع التعليم ، أما اليوم فقد أسقطت الفضيلة والأخلاق ، وأنحصر التعليم – تقريباً – في استيعاب تراث الإنسان الثقافي ، والقيام بمسح لمدى ومجال معرفته ، وقد انعكست آثار ذلك في انعدام الروح الإنسانية بين الناس على مختلف المستويات ، الفردية ، والجماعية ، والقومية ، والدولية ، أصبح ذلك سمة من سمات عصرنا ، وخاصة بين من يفترض فيهم أنهم متعلمون .. ولئن كان ظلم الإنسان لأخية الإنسان أمراً سجله التاريخ ، وإلا أن قسوته الحالية فاقت كل الحدود ، وهذا واحد من النتائج الحزينة لتبني نظم التعليم المعاصر التي لا تتقيد بالمبادئ الأخلاقية ، ولا تعنى بها العناية الكافية ، حتى أصبح التحلل الأخلاقي يقف وراء أزمة التعليم المعاصر في العالم ، بل ومن وراء الأزمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية أيضاً ، وأزمات الغذاء والطاقة وغيرها من الأزمات العالمية. ومن هنا فإن الصيحة الآن هي : من أجل تعليم أخلاقي!! إذ التعليم لا يمكن ان يكون كاملاً دون الأخلاق. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : أي أخلاق؟ هل هي أخلاق المصلحة والقيم المادية البحتة التي أبتدعها الإنسان لتتلاءم مع أنانيته الشخصية ، ومع تطلعاته المادية العاجلة؟ ، أم هي الوفاء لقيم مشتركة أساسها الإيمان بالأخوة الإنسانية وحب الخير العام ، والعقلية المتفتحة ، ويقين الإنسان بمسئوليته الشاملة عن عمار الحياة على الأرض ، وغير ذلك من القيم الأخلاقية السامية؟ ، وهل يستطيع الإنسان ( بكل قصوره وعجز قدراته المحدودة ) أن يؤسس لنفسه مثل هذه القيم السامية ؟ ، أم أنه محتاج في كل ذلك إلي إرشاد رباني ؟ وإذا كان هذا الإرشاد الرباني موجوداً بين أيدي الناس ، فما هو سر في انصراف الناس عنه ومجافاتهم لنهجه ، حتى وصلت المجتمعات والأفراد إلي هذا القدر من التحلل الأخلاقي؟ ولمعالجة هذا التحلل الأخلاقي ، وإعادة بناء الشباب بشكل صحيح ، علينا التمسك بالأخلاق ، وأصدق ما تكون الأخلاق وأعمق ما تكون ، إذا كانت أخلاقاً مرتبطة بالدين ، نابعة من العقيدة ، فالدين عقيدة ومنهاج حياة وسلوك شامل متكامل ، وقيم وأخلاق وآداب ترتبط بهذه العقيدة ، وتنتظم هذه الحياة وتحكم هذا السلوك إذا تستقر في الأعماق خشية الله ومراقبة الآخرة ، والرجاء في ثواب الرب والخوف من عذابه ، وتصلح الأحوال إذا وقر ذلك في القلب وصدقه العمل.
أما الأخلاق بغير دين فهي فضائل يتحدث عنها الفلاسفة ولا جذور لها ، ولو كانت فضيلة الفلاسفة ناجعة ، أكانت تحتاج البشرية إلي الرسل ؟ إن قيم الدين والأخلاق التي يأمر بها الكتاب السماوي والنبي المرسل بهذا الكتاب ، هي جماع الخير وسبيل إصلاح الإنسان واستقامته ، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها.
وإذا كان بعض الاساتذة والكُتاب والباحثين ، على سعة عليه في تخصصه وبارع في أسلوبه في كتاباته ، لا يفهم الدين إلا طقوس عبادة وشعائر دعاء وصلة فردية بين الإنسان وربه ، فهؤلاء يفهمون الدين فهماً قاصراً ، ولو عنوا بالفهم الصحيح لعلموا أن الدين عقيدة ، عبادة وعمل وإنتاج وسعي ، مع الالتزام بالأخلاق والآداب والقيم ، التي يأمر بها الدين ويحض عليها ( الدين حسن الخلق ) ولعلموا كذلك أن الأخلاق بدون أساس ديني ، هي فلسفة سطحية فارغة وشطط عقلي ، وإن الدعوة إلى القيم ولآداب بغير عقيدة راسخة ، هي محاولة ضئيلة الجدوى ، قليلة الفعالية.
ومن هنا تأتي ضرورة الاهتمام بالتربية الدينية القويمة ، وذلك لإصلاح حال الشباب ، وتقويه أخلاقه ، وتطهير نفسه ، وتبصيره بالقيم الصحيحة ، و غرس الفضائل فيه ، ومنها الأخوة والتسامح ، حب الله والوطن .. ومحاربة الرذائل ، ومنها اللادينية والأنانية والميوعة والاستهتار الغفلة عن العلم الصحيح النافع ، والإعراض عن مقومات المروءة والرجولة. وبهذه التربية الدينية القويمة ، يتوارث الناس نبل الطباع ، وقيم الفضيلة ، فلا تأتي منهم إلا محاسن الأشياء ، وسمو النفوس ، وطهارة القلوب ، وصدق المواقف وطيب الخصال.

احدث المنشورات