مغامرات اسياس و السيادة الوطنية ..

بقلم الأستاذ / إدريس حامد همد

07/04/2022

حقق الشعب الارتري استقلاله بعد كفاح مرير استمر 30 عامًا كلف قوافل من الشهداء الذين قضوا نحبهم من أجل وطن حر مستقل ذي سيادة يقيم العدل والمساوة بين ابنائه وقدم الآلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين واللاجئين ثم ختم ذلك باستفتاء أظهر دعمًا ساحقًا للاستقلال. ومع ذلك فإن الدكتاتور أسياس أفورقي اختطف التطلعات الإريترية واجهض الآمال والاحلام وأدام حكمه الشخصي من خلال سلسلة من الهجمات الشرسة على كل من خالفه الرأي والاجتهاد من الارتريين اولا قبل غيرهم مما جعل البلاد تعيش في حروب دائمة لا علاقة لها بالسيادة الوطنية بل كانت خصما عليها .
في الآونة الاخيرة كثر الحديث و اشتدت حدة التباينات في أوساط الارتريين عموما والمعارضين للنظام خاصة حول (سيادة الوطن المهددة) في غلو ومبالغة لا مبرر لها كأن كائنات فضائية متوحشة ستغزو بلادنا التي( تنعم بالاستقرار والازدهار ) او كأننا نعيش في وطن يحتضن كل أبنائه في أجواء من الحرية وممارسة التعبير والعدالة والسلام والعيش بكرامة بلا أدنى تجاوزات لحقوق الإنسان ..
بدأ هذا السجال السياسي غداة الحرب الأهلية والصراع الذي نشب بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تغراي المعروفة بالوياني وهو نزاع اثيوبي- اثيوبي داخلي لا شأن لأي من دول الجوار التي تتمتع بالسيادة والاستقلالية التامة ان ترمي بنفسها في أتون وساحات معاركه المستعرة او تتدخل وتفتح حدودها لأحد أطراف الصراع او تنقل ساحة المعركة إلى أراضيها عبر المشاركة المباشرة في القتال الدائر والا تكون قد فتحت الباب لتهديد محتمل لسيادتها او تسببت فعلا في حدوث ذلك ….
ومع بداية الصراع في تيغراي في عام 2020 ، أصبح نظام الدكتاتور اسياس أكثر توحشا وتورطً في الصراع الذي تدور رحاه حتى الان في إثيوبيا بين الإقليم الشمالي والمركز .و لقد كان ضحية مغامراته الكثير من الشباب الارتري الذين زج بهم في مواجهات عنيفة لم تكن لصيانة وحماية البلاد بل تدخلا باهظ التكاليف في أتون حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل بحجة الدفاع عن سيادة الوطن وأيضا لم يسلم منها اللاجئون الارتريون الفارون من بطشه فكانوا رهينة وضحية بين المتقاتلين من كل الأطراف .
وهنا يبرز تساؤل مهم : هل من السيادة إخلاء البلاد من مواطنيها بهذه الصورة المحزنة ؟! بين من قضوا في زنزانات سيئة الصيت بلا محاكمات ومن يعيش البؤس والشقاء في سجون تحت الأرض لا أحد يعلم بظروفهم ولا مصيرهم ، وحتى الذين هم فوق الأرض فهم بلا طموح يعيشون حياة بائسة ولا يملكون حق سيادة هذا البؤس ، وقد فضل الكثير منهم ركوب المخاطر و أمواج البحر في مراكب الموت بحثا عن حياة سوية كريمة بعيدا عن وطن الشهداء والأحلام التي تلاشت و طمرت في قيعان الأحزان والحسرة وتشرد معظم الارتريين من جديد بفعل نظام اسياس .. اليس الشعب اهم عنصر ومكون لسيادة الوطن ؟!!!!! أين حقوقهم من هذه السيادة ؟!.
هذه ليست تصرفات دولة إنها عصابة سطت على البلاد والعباد لتظهر ملفاتها الخفية على الملأ بزعامة أفورقي بحثا عن أدوار تم الإعداد لها بعناية سابقا .
قد يبدو من المفارقة للذين لا يعرفون تاريخ اسياس ان شخصا مثله قاتل من أجل استقلال إريتريا لا يمكن أن يخون .
لكن الواقع ان لاسياس تاريخا من التناقضات والسباحة عكس التيار بشأن السيادة الارترية فالمهم بالنسبة له استغلال الموقع الإستراتيجي للبلاد لتحقيق طموحاته الشخصية الكبيرة في الزعامة و الهيمنة على القرن الأفريقي في تحالفات إقليمية ودولية تكفل له الاستمرارية في نهجه الإقصائي حتى لو كان ذلك على حساب سيادة البلاد و ابرز الشواهد على ذلك تصريحات متعددة لابي احمد تؤكد في ثقة وزهو وحدة ارتريا واثيوبيا وهي تصريحات فتحت شهية قادة حكومة المركز الاثيوبي املا في تحقيق الوعود التي حصلوا عليها من الشقيق الاكبر .
فهل من السيادة في شيء بناء سلسلة من العلاقات المبهمة والمريبة كاستغلال الموانيء و إستخدام المنافذ البحرية واستخراج الذهب بعقود واجال لا يعلم احد امدها الا من بيده سلطة البلاد ؟! والمصيبة والطامة الكبرى فإن ريع هذه الاستثمارات الغامضة و المشبوهة يشكل شريان الحياة لبطش النظام المتهالك ، والمبكي والمضحك في آن معا ان بعضا من أطراف المعارضة يدعو إلى الوقوف مع هذا النظام الذي احدث ابلغ الاضرار بالبلاد ، يدعون الى التخندق معه بدواعي (تهديدات)مستقبلة .
ان تهديد السيادة متجذر وراسخ في نهج وسياسات اسياس القمعية و التهديد من داخل الوطن قبل الخارج بسبب جبروت و سطوة نظام مستبد جثم على صدر البلاد كأنه كابوس ليل مظلم بحروبه العبثية التي حصدت أرواح شباب ارغموا لخوضها. وانتهاك كامل الدسم لابسط حقوق الانسان الارتري والسماح لاطماع خارجية بالتدخل والتماهي مع أهدافها بحجج لا ترقى الى مستوى تضحيات الارتريين من اجل وطن حر وسيد…
والله غالب على أمره…

احدث المنشورات